الرجوع
تدوينة

الثانية عشرة ليلًا

الثانية عشرة ليلًا
تدوينة قصيرة
تدوينة قصيرة
مشاركـة

تنتظر مشاعرنا منتصف الليل من كل يوم للخروج من محجرها لتنطلق في إغراق صاحبها بعد يوم طويل من الكبت. تجد الجميع مندمجًا في إنهاء مهامه اليومية ولكن في الحقيقة هم فقط في كومة عميقة من مشاعر وأفكار صادقة لم يسمح لها مسبقًا الخروج.

يظن البعض أن بإمكانه الوقوع في الحب في لحظات أو الشعور بَكُرهٍ عظيم من مجرد تصرفٍ واحد من الطرف الآخر ولكن كيف لمشاعر عميقة لا يمكن شرحها ووصفها أن تكون سهلة المنال؟

في الواقع، الكثير من المشاعر العميقة تأتي بعد تراكمات كبيرة ومتتالية، فمن المستحيل فهمها أو وصفها؛ فما بالك بأن تضع لها معنى وتحصرها في جملة مبتذلة من كلمات سطحية. من الغباء أن نبحث عنها في محرك البحث أو نسأل امرأة مسنة عنها لأنها وبكل بساطة تُعاش وتُشعَر لا تقال. لن تفهم هذه الاحاسيس إلّا بالغرق فيها والسماح لها بالتغلغل فيك.

يستهان كثيرًا بالمشاعر لمجرد كونها غير ملموسة. ينسى البشر أن الله خلق الانسان من كومةِ أحاسيس مختلفة ولولا أهميتها لما ذُكِرت في الكتاب الكريم. هي تحركنا وتشكلنا وتجعلنا أُناسًا ذوي إنسانية لا بشر. يستهان بها لدرجة الاستسهال في جرح وقمع الآخرين وينسون أنّها لكبيرة عند الله، ولكن هذا ليس إلا مرآةً لما يشعر به الجارح. فهو أيضًا تم جرحه وطريقة تعايشه مع آلامه تكمن في إخراجها على الآخرين كانتقام لما تم التسبُب به. هذا السيناريو لا ينطبق على جميع الجرحى، فتجد البعض رهيف القلب مليء بالرحمة وأقواله تخرج بعد تفكير مُمعِن خوفًا من التسبب بنفس الآلام.

unsplash-image-U4U2Nd1PoTQ.jpg

المشاعر رحمةٌ من الله تعالى تجعل الانسان حقيقيًا وذو ضمير، ولكن البعض منها مرض خبيث. ما أن يدخل الحسد والحقد والكُره والتكبر إلى قلب الانسان؛ يجعل منه بشريًا شرسًا لا يعرف الرحمة أو الخوف من الله تعالى. تُعمى عينه عن الحقيقة ويقع في الحرام بشكل من الأشكال إلى أن ينقض عليه تمامًا فينهار. في هذه النقطة بالذات تخرج الأسباب الكامنة خلف هذه المشاعر. يبقى الخطأْ خطأً والحرامُ حرامًا مهما كانت الحُجج ولكن فهم النفس البشرية ليس بالصعب والتسبب بأذية الآخرين سيخرج بطريقة أو أخرى، أحيانًا بصورة قبيحة.

إظهار مشاعرك الطيبة لِلذين حولك ليس بِذنبٍ أو كبيرة كما جعلنا البعض نصدّق. إظهار حزنك وعجزك ليس بِضَعْف. يُسمح لنا بالبكاء وانهمار دموعنا بحرقة لأنها فِطرة انسانية وطبيعية. لا تجعل من الحُب شيئًا محرّمًا فهو السبب الأول والأخير للعيش. تخيل لو أنك لا تُحب عائلتك، بيتك، عملك، أصدقائك، طعامك، سيارتك، حاسبك المحمول أو الشارع الذي تمر به بشكل يومي، هل ستتمكن من العَيش؟ تخيّل لو أنك تُصلي حبًا لله لا خوفًا منه. لا تلتفت لمفاهيم الحُب العصرية التافهة الذي صورها العالم في القالب الرومانسي، فالحُب عميقٌ ويشمل كل شيء دون استثناء. الحُب جميلٌ وطاهر وليس محرّم كما يقول ذوي اللِحاء.

حُب نفسك أولًا، ثم قع في حُب حياتك.