أقف منهكة بعد أن تملكني الإجهاد ونفذ صبري، أنظر حولي لا أحد!
كراسي فارغة من أجساد البشر وحتى أرواحهم، جرائد مُتشققة في كل أرجاء المحطة، القطار متوقف، عجلاته لا تصدرُ صريرها المعتاد، أمسح الزجاج بطرف كمي وأنظرُ من خلاله وأرى عجوزًا وشخصًا بسماعة رأس وأخر يقفُ متصلب ا بهاتفه، حتى سائق القطار لا أرى وجهه يبعثُ على إي إحساس بالحياة! لا شيء يتحرك، كل شيء ساكن بطريقة مُفجعة، أو بالأصح ميت. إحساس مُزعج يداهمني أنني أضعت نفسي! أنظر حولي لا أحد هل هذا يعقل!! أضعت نفسي وأضعت الحياة من حولي؟ أركض وألهث لعلي ألاقي مُجيبًا لكن على حين غرة تباغتني رغبة بالسكون والإستمتاع بهذا الحدث وبصوت الصمت، فما الضرر؟ بعد أن توقف كل شي ء عن الحراك.
أجرُ جسمي لأريحه على أقرب كرسي وجدته وأغمض عيني لأستمتع بصوت الصمت الهادئ، تمر ساعات وساعات من هذا الهدوء وأنا مغمورة بهذا الصمت الحالك... فجأة!!!
صوتٌ بعيد، صوتُ شخص يستنجد، سمعت صوت نفسي! أأصدقُ ما تسمعه أذني؟
هل... هل هذا يعني أني استرجعتها؟
أفتش في أعماقي وأنا أتنفس بصعوبة حلقي يتقطع، أشعر بطعم الدم لكن أستمر أدفع نفسي فوق طاقتها بعد أن رأيت نفسي تستنجدني، أمد يدي لنفسي وأجاهد على إمساكها لأن لأحد سيكون متواجد لإنقاذي إلا "نفسي" نفسي ستكون حاضرة دائمًا لإنقاذي "إنقاذًا غير مشروط"، لا أدري كم مر من الوقت على كل ما حصل...
لكن فجأة أفتح عيني بتثاقل وأول ما يشتمه أنفي رائحة القهوة البهية، وكل شيء يضج بالحياة، في كبينة الهاتف شخص يدحرج عملة معدنية ويبدأ بالتحدث وعينيه تلمعان فرحًا، كراسي الانتظار مُكتضة أمامي، طفلين يأكلان الإيسكريم بطريقة شهية تشعرني بلذة هذه الحياة، والقطار يتواجد فيه كل الأشخاص من بينهم الواقف يهمهمُ في هاتفه والجالس يضع سماعة الرأس ويستمع لأغانيه المفضلة المعتادة، عجوزٌ تضع إبتسامة كلما رأت شخص يلمحها حتى لو بنظرة، سائق القطار يتثاءب ويتوقف ويعلن انتهاء الرحلة، أمورٌ بسيطة أليس كذلك؟ مُسلمٌ بها لكن تشعرك وتبثُ فيك شيئًا من الحياة.
إذن الأمر كان هكذا، كان علي أن أسمع صوت نفسي، أن أتواجد مع نفسي وأن أنقذها من الضياع، لكي أتمكن من سماع أصوات من حولي، لكي أتمكن بالشعور بإحساس الحياة ينبض بي مرة أخرى، هكذا كان الأمر.